تخطى إلى المحتوى

أصعب شعور كان أن أحمل أطفالي وأهرب بهم من مكان إلى آخر، لا أعرف إلى أين يجب أن أذهب”، تقول لينا الخالدي، واصفةً مشاعر عجزها عن حماية طفليها من صواريخ الاحتلال الإسرائيلي، طفليها اللذين لم يسبق لهما أن شهدا حرباً من قبل، “كان أصعب عدوان شهدته، لأنه الأول لي وأنا أم”، تضيف لينا.

قبل نشوب العدوان بأيام، 29 سبتمبر 2024، جاءت لينا وطفليها؛ غسان، 10 سنوات، وجولينا الرضيعة، ثمانية أشهر، إلى غزة لقضاء إجازة الصيف وزيارة الأقارب والأهل، إلا أن الحرب عصفت بإجازتهم الهادئة، وحولتها إلى كابوس يطاردهم حتى بعد نجاتهم. استطاعوا أن يغادروا القطاع إلى مصر، والعودة إلى زوجها في نيجيريا بعد أن عاشوا 88 يوماً من القصف، والخوف، والمحاولات البائسة في توفير أدنى الاحتياجات الأساسية في كل محطة نزوح. لم ينجوا أطفالها من العدوان بمجرد وصولهم إلى بر آمن خالي من أصوات الانفجارات الشديدة، بل ألقى بظلاله الثقيلة على نفوسهم تاركاً عبئاً نفسياً جسيماً في أعماقهم.

وفقاً لجهاز الإحصاء الفلسطيني، يشكل الأطفال في غزة، دون 15 سنة، 40% من أصل 2.3 مليون نسمة، يعيشون منذ السابع من أكتوبر الماضي تحت قصف شبه مستمر، مع محاولات نزوح مستمرة برفقة عائلاتهم بحثاً عن مكان آمن في المدارس التابعة للأمم المتحدة؛ أو في بيوت أحد أقاربهم. لم يكن هذا العدوان الإسرائيلي الأول على القطاع، إذ شهد منذ ستة عشر عاماً حتى اليوم خمسة حروب إسرائيلية، يتخللها تصعيدات بين الحين والآخر. وبذلك إن الطفل الفلسطيني في القطاع الذي يبلغ من العمر 15 عاماً شهد خمس حروب في حياته حتى اللحظة.

ترى الدكتورة سماح جبر، مديرة الخدمات الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أن “الطفل الغزي سيعايش اختلافاً كبيراً في تكوين شخصيته”، مشيرةً إلى أن الحرب ستؤثر على الأطفال في مرحلة المراهقة، إذ سينشأ لديهم شعوراً بالعزلة عن العالم، وأنه قد تم التخلي عنهم، خصوصاً أنهم في مرحلة يشكلون فيها أفكارهم عن العالم ويكونون هويتهم الخاصة.

وتؤكد جبر أن في خضم هذه الأحداث العدوانية الإسرائيلية، ليس فقط التعرض للعنف هو الذي يؤثر على الصحة النفسية لأطفال غزة، بل ما يقاسوا من ظروف صعبة مثل النزوح القسري، عدم الوصول إلى الاحتياجات الأساسية، فقدان حقهم في التعليم والرعاية الصحية، أو تعرض أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء للقتل على يد جنود الاحتلال، كل ذلك يؤثر بشكل كبير على صحة الطفل النفسية.

وترى جبر أن الأطفال في غزة لا ينظر إليهم على أنهم أطفال، ليس فقط من قبل الاحتلال الإسرائيلي، بل أيضاً من قبل كل الأطراف المؤيدة له، موضحة أن الإصابة النفسية، مقارنة بالإصابة الجسدية، تدوم لسنوات طويلة، وتُعد إصابة عابرة للأجيال، على حد تعبيرها.

“الفلسطيني مصدوم بصدمة تاريخية متوارثة، يحدث تغييرات في المادة الوراثية والجينات لدى الإنسان المصدوم وبذلك ينتقل أثر الصدمة من جيل لآخر”، تضيف جبر.

واجهت لينا وأطفالها خطر الموت مرتين على الأقل، المرة الأولى عندما قُصف مربع سكني بجانب بيت عائلتها في مخيم البريج وسط القطاع، الساعة الثالثة فجر يوم 11 أكتوبر الماضي. “استيقظت فزعة، صوت الانفجار كان عالياً، ما يقارب 8 صواريخ انفجرت في نفس الثانية”، تصف لينا حالة الرعب التي عاشتها.

ثانية واحدة كفيلة لأن تسلب من الشخص حياته، عائلته، أو يصبح البيت خالياً من أصحابه. لم تدرك لينا في تلك اللحظة ما يجري من حولها، أمسكت بطفلتها الرضيعة وهربت بها نحو الشارع. “من الخوف نسيت غسان، وتساءلت هل يجب أن أفضل أحد أطفالي على الآخر؟”، تروي لينا.
قلب الأم لم يستطع مفاضلة أحد أطفالها على الآخر، وبالرغم من خطورة الوضع عادت تبحث عن غسان لتجده تحت الحجارة، هادئ لا يتحرك، لا يستجيب للمسات يديها، أو حتى لصوتها. ” بعد مرور 5 دقائق على حالته هذه قمت بهزه بشدة بين يدي، آملةً أن يستيقظ من الصدمة التي كان يعيشها نتيجة شدة الانفجارات، للحظة اعتقدت أنه مات“، تقول لينا بقلق.

“يصبحوا شهوداً حيّين على مأساتهم، محاصرين بين جدران الحرب والحصار، بدلاً من تعلمهم مهارات تمكنهم من أن يكونوا الجيل القادم من المعلمين والأطباء والعلماء والفنانين، يجبرون على اكتساب مهارات النجاة من الحرب والبقاء على قيد الحياة في ظروف قاسية تتجاوز صغر سنهم”

التبعيات النفسية للحرب

أفاد تقرير نشرته منظمة تقرير نشرته منظمة “إنقاذ الطفولة” عام 2022، أنه بالإضافة إلى الأذى الجسدي، والحرمان الاقتصادي، وصعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية، فقد خلف الحصار المفروض على القطاع منذ 15 عاماً إصابات بالاكتئاب والقلق والفزع، إذ أنه بين كل خمسة أطفال من القطاع، هناك أربعة منهم يعانون من اضطرابات نفسية. ورصد التقرير تدهورًا كبيرًا في صحة الأطفال العقلية، حيث ارتفع عدد الأطفال الذين أبلغوا عن ضائقة نفسية من 55 بالمئة في عام 2018، إلى 80 بالمئة خلال عام 2022. في هذا السياق، أكدت جبر أن غياب حقوق الطفل الفلسطيني في غزة يؤثر على تراجع صحته النفسية، والأطفال أكثر الفئات عرضة للتداعيات النفسية والاضطرابات العقلية؛ لأن عقلهم مازال في مرحلة النمو، ولا يملكون ما يكفي من اللغة للتعبير عن الضغط الذي يشعرون به. مشيرة إلى أن آلية الدفاع النفسية لديهم أضعف من غيرهم؛ مما يجعلهم أكثر الفئات تأثراً بالظروف القاسية في قطاع غزة مثل العدوان، الحصار، وانعدام الأمن الغذائي، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

للحرب أوجه مختلفة في غزة، لا تقتصر على القتل المباشر، بل تعدت إلى منع إدخال المساعدات الإنسانية والوقود إلى القطاع، وإغلاق مصادر المياه، وحصار مطبق فرضه الاحتلال الإسرائيلي. ومن أوجهها الأخرى، غلاء أسعار البضائع والمواد الغذائية في حال توفرها بالأسواق. “كنت عاجزة أمام غسان ونوبات بكائه في كل مرة يشتهي صنفاً من الطعام، أحد المرات قمت بشراء بسكويت بخمس أضعاف سعره في الأيام العادية”، تضيف لينا.

واجهت لينا أياماً لم تتمكن خلالها من توفير البيض لابنها الأكبر غسان، وبعد عمليات بحث مضنية تمكنت من إيجاده بسعر باهظ، ولنقص الوقود والغاز تم طهيه بعد إشعال القطن بالكحول، “لا أعلم إن كان الطهي بهذه الطريقة جيد ولا يؤثر على صحتنا، ولكن لم يكن لدي خيار آخر”، تروي لينا.

من جانبها، تؤكد د. إيمان فرج الله، طبيبة نفسية وباحثة في مجال الحرب والصدمات النفسية وكيفية تأثيرها على الأطفال وخاصة الأطفال الفلسطينيين، أن الأطفال في غزة لم يعيشوا أبداً في بيئة سليمة وصحية آمنة. مؤكدة أن الطفل الفلسطيني في غزة محاصر في بقعة جغرافية لأكثر من ستة عشر عاماً، يحب التعلم بالرغم من سبل الاكتشاف الضئيلة، وليس أمامه سوى بحر محدود المدى بالرغم من كبره، وعدد ساعات كهرباء قليل في اليوم.

وترى فرج الله أن إسرائيل تصعّد من عدوانها على مدار السنوات، الأمر الذي يجعل الحياة في غزة أسوأ مما قبل. وتشير  في دراساتها السابقة للعدوان الإسرائيلي عام 2014، الذي استمر لمدة 51 يوم، أنه الأكثر سوءاً على الأطفال من ناحية الصدمة والصحة العقلية أو حتى الصحة الجسدية. ووفقاً لدراستها، فقد أصيب ما يقارب 95% من الأطفال في غزة خلال عدوان 2014 بصدمات نفسية من الحرب، ظهرت عليهم أعراض القلق والاكتئاب. “اليوم برأي جميع سكان قطاع غزة يعانون من الصدمة النفسية بنسبة 100%، لم يكن أحد يعلم أن هناك عدوان 2023، والذي لا أسميه عدوان بعد اليوم، إنه إبادة جماعية”، بحسب فرج الله.

وبينت فرج الله في دراستها المتعمقة للتأثيرات النفسية للعدوان عام 2014 على الأطفال في غزة، أن الصدمات النفسية ظهرت على 95% من الأطفال بطرق مختلفة، حيث ظهر على بعضهم سلوكيات كالبكاء المستمر، الانسحاب الاجتماعي، العدوانية في التعامل مع الآخرين، والكوابيس. فيما تأثر المستوى الإدراكي والمعرفي لأطفال آخرين، وواجهوا تشتتاً وانخفاض تركيزهم، وتراجع مستواهم الدراسي. أما على المستوى العاطفي، قد يعاني بعض الأطفال من القلق، الحزن، التوتر، الاكتئاب، أو فقدان الإحساس بالأمن. في حين تتمثل على المستوى الجسدي على شكل أعراض عدة مثل التعرق المستمر، الصداع، ضيق تنفس.

تجربة الطفل غسان

لم يفارق غسان حضن والدته، طوال الليل والنهار، خلال فترة تواجدهم في غزة. وتمثلت أعراض الخوف عنده بالتبول اللاإرادي، ارتفاع درجة حرارته، الاستيقاظ ليلاً صارخاً، تجنب التفاعل مع الآخرين، أما أخته جولينا كانت تبكي مع كل صوت انفجار، وفقاً لما أوضحته لينا.

“في محطة نزوحنا إلى مقر الهلال الأحمر في خانيونس، بدأت تظهر أعراض حساسية على جسم الأطفال، وانتشار الحبوب، وبحسب ما قاله الطبيب أن هذه أعراض طبيعية بسبب شعورهم بالخوف، واستنشاقهم كميات كبيرة من بارود الصواريخ”، تفيد لينا.

الأطفال يعتمدون في رعايتهم على الكبار، وفي أوقات الحروب تتعرض ارتباطاتهم بالأسرة للانقطاع بسبب فقدانهم من يقدم لهم الرعاية، أو حتى التشتت العاطفي للوالدين نتيجة ما يتعرضوا من ضغوط ناجمة عن محاولاتهم في حماية أبنائهم، وتوفير مقومات الحياة الأساسية وقت العدوان. 

في هذا الصدد، تؤكد جبر على ضرورة اختيار لغة تتسم بالاتزان من قبل الوالدين في حديثهم مع أطفالهم، “يجب عليهم الاعتراف بالخوف والمشكلة والتحديات مع حقنها بالأمل وتفسير ما يجري على أرض الواقع بطريقة تتناسب مع أعمارهم”؛ مشيرة إلى أن ذلك كله بجانب ما يتعرض له الطفل من مشاهد الموت والقتل وسماع لأصوات الانفجارات المتكررة يترك آثاراً نفسية تعيش معهم.

لم تكن عملية مغادرة لينا وطفيلها للقطاع سهلة، إذ نجحت بالمغادرة بتاريخ 26 ديسمبر الماضي بعدما قام زوجها بالتواصل مع السفارة النيجيرية عشرات المرات لإدراج أسمائهم في كشوفات السفر الأجنبية. “لم أستوعب أنني قد نجوت حقاً وأطفالي من هذا الجحيم، لم أستطيع أن أودع عائلتي بسبب تواجدهم في محافظة أخرى”، تتابع لينا.

خلال طريقهم إلى مصر كانت لينا تُحدث غسان أنهم سيلتقون بوالده قريباً وفي كل مرة يردد غسان “أمانة يا ماما حنشوف بابا”، كانت كلماته بالنسبة لها صادمة ومنزوعة من أمل رؤية والده. “في أول ليلة لنا في مصر لم ينم غسان طوال الليل، ومع كل صوت مفاجئ يغلق أذنيه بيديه ويختبئ تحت غطاء السرير، كان عصبي جداً ولا يتفاعل مع أطفال صديقتي في مصر”، تقول لينا.

وتؤكد أن ما يحصل مع ابنها من تصرفات عنيفة إلى جانب شعور الخوف المستمر وعدم الاطمئنان هو نتيجة لما عاشه على مدار 88 يوم بحسب طبيب نفسي لجأت إليه في مصر، موضحة أنه يجب أن تتحلى الأم بالصبر في التعامل مع الأولاد دون توبيخهم، والحديث عن مشاعرهم باستمرار بعد ما شهدوا من أحداث لا يستطيع الإنسان العاقل استيعابها.

“انتزاع الطفولة”

 

تشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في بيانها الصحفي، فبراير 2023، أن 17 ألف طفل في غزة أصبحوا بدون ذويهم أو انفصلوا عن عائلاتهم خلال الحرب، وأن جميع الأطفال تقريباً في القطاع بحاجة إلى دعم في مجال الصحة النفسية. من جانبها توضح جبر “إن لم يصب الطفل في العدوان، ولكن فقد والده أو والدته، الشخص الذي يعتمد عليه، بكل تأكيد عالمه النفسي يتأثر بشكل بالغ”.

وبحسب جبر وفرج الله أن هذا العدوان غير المسبوق يدلل على سياسة إسرائيلية متبعة فيه تهدف لانتزع الطفولة. وتؤكد فرج الله على إن تكرار إسرائيل عدوانها على القطاع، فهي تجرد الأطفال من استقراراهم، ومن بيوتهم، ومن عائلاتهم، تجردهم من الطفولة بحد ذاتها. 

والإنسان منذ لحظاته الأولى لا يتوقف عن تلقي الأصوات، والألفة بين الإنسان والصوت تخلق مع التكرار، ولعل الموسيقى أجمل الأصوات، أما على النقيض، أصوات الانفجارات التي تتصاعد طيلة أيام العدوان، تكون أصوات ثقيلة على الأذن والنفس، تاركة أثراً غائراً في مباني وأحياء المدينة وذاكرة أهلها، والأطفال النصيب الأكبر من أهل غزة، ترتبط أصوات الانفجارات في ذكرياتهم التي تتعلق بالفقد وأشكاله: فقد المنزل، المدرسة، العائلة، الجيران، الأصدقاء، الأمر الذي يرفع من مستويات التوتر لديهم، ويؤثر عليهم على المدى البعيد. 

“التقيت بصبي يبلغ من العمر تسع سنوات، وأخبرني أنه عندما يسمع صوت قنبلة، يهرع إلى منزله ويختبئ تحت أغطية السرير. لقد فعل ذلك على أمل ألا يتم رؤيته حتى لا يتم قصفه”، تروي فرج الله.

وتؤكد كل من جبر وفرج الله أن الطفل في قطاع غزة خلال هذا العدوان أضيف لتجاربه السابقة، التي لا تقتصر فقط على القصف الإسرائيلي، تجارب جديدة كرؤيته للجندي الإسرائيلي والآليات العسكرية الإسرائيلية بشكل مباشر، اختطاف أو قتل أحد أفراد عائلته أمام عينه من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي، تجربة النزوح، الجوع، والبرد. وتشير جبر أن “هذا سينتج ارتفاع في معدلات الاكتئاب، والقلق، واحتمال وجود حالات انتحار بين الأطفال المراهقين”. وتتوقع أن الأطفال الذين تعرضوا لعمليات بتر أكثر عرضة للإدمان على المواد المخدرة، موضحة أن الأثر النفسي سيكون وخيم على الأطفال بشكل خاص، والناس عموماً.

“عام الإبادة الجماعية بحق الأطفال الفلسطينيين”

بعد عدوان إسرائيلي استمر لستة أشهر متوالية على قطاع غزة، تحولت حقوق الأطفال التي كفلها لهم القانون الدولي، إلى “أمنيات عظمى” يحلم بها الأطفال في غزة، حيث باتوا يحلمون بالعودة إلى حياتهم الطبيعية الهادئة، والذهاب إلى مقاعدهم الدراسية، الحصول على وجبة طعام وشراب بلا معاناة، الاستمتاع بدفء العائلة وحبها دون الشعور بتهديد دائم بفقدانهم.

توضح منظمة الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، فلسطين، في بيان صدر في يناير الماضي “إن عام 2023 هو عام الإبادة الجماعية بحق الأطفال الفلسطينيين على يد الاحتلال الإسرائيلي“. وتشير أن قوات الاحتلال الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر 2023 قتلت أكثر من 8 آلاف طفل في قطاع غزة، و81 طفل في الضفة الغربية بما فيها القدس. كما توضح في بيانها أن هذا المعدل مرشح للزيادة حيث لا يزال الآلاف في عداد المفقودين في غزة، عدا عن قيام الاحتلال بقطع الغذاء والمياه والكهرباء والإمدادات الطبية والوقود عن سكان القطاع، واستمراره بشن هجمات عشوائية ومباشرة ضد المباني السكنية والبنية التحتية المدنية والنظام الصحي.

من جانبه، يؤكد عايد أبو قطيش، مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، أن ما يحدث في قطاع غزة هو إبادة جماعية للفلسطينيين، في ظل تخلي دول العالم عن كل الالتزامات الحقوقية والقانونية، وتخليهم عن القيم والأهداف التي يتبنوها من أجل المحافظة على علاقات سياسية ودبلوماسية مع إسرائيل.

ويشدد على ضرورة طرح سؤال “ما هي الانتهاكات التي لم يتعرض لها الأطفال في قطاع غزة؟”. إذ يرى أبو قطيش أن الفكرة الأساسية في اتفاقية حقوق الطفل قائمة على ترابط الحقوق ببعضها البعض، وفي حال تم انتهاك أحدها هو بالضرورة يقضي إلى انتهاك الحقوق أخرى.

“جميع الحقوق التي نصت عليها اتفاقية الطفل تم انتهاكها خلال العدوان الإسرائيلي الحالي، من مادة (1) حتى مادة (54)”، بحسب أبو قطيش.

ويشير إلى أنه وفي كل استهداف للمراكز التعليمية تنتهك حقوق الطفل في التعليم، كما تنتهك حقوقه بالرعاية الصحية مع الاستهداف المستمر للمستشفيات والمرافق الطبية ومنع وصول الإسعافات للمصابين، موضحاً أن حقوقهم بالحصول على حياة كريمة تنتهك في التدمير الممنهج للبيوت والوحدات السكنية، وتهجيرهم إلى أماكن تفتقر أدنى مقومات الحياة ومنعهم من العودة إلى بيوتهم.

لم تبد إسرائيل أي احترام للمعايير والمبادئ الدولية التي تتعلق بحماية الأطفال، حيث تعمدت استهداف الأماكن السكنية، والأماكن التي تتمتع بحماية دولية كمدارس الأونروا والمستشفيات، ومنعت وصول الإسعاف، والدفاع المدني إلى الأماكن التي يتم قصفها، كما قيدت دخول المساعدات الإنسانية الضرورية لاستمرار الحياة لقطاع غزة، وفقاً لأبو قطيش.

ويرى أن ما يميز هذا العدوان عما سبقه أنه فيما مضى كان الغزّيون يعانون من مشكلة الصمت الدولي، إلا أن الوضع الحالي تجاوز الصمت الدولي إلى التواطؤ الدولي، مؤكداً على الدعم المالي والسياسي والدبلوماسي والعسكري المستمر لإسرائيل من قبل مسؤولين دوليين.

وتقول فرج الله إن الأطفال لم يستثنوا من ويلات الحروب، ويتجرعون من كأسها المر، “يصبحوا شهوداً حيّين على مأساتهم، محاصرين بين جدران الحرب والحصار، بدلاً من تعلمهم مهارات تمكنهم من أن يكونوا الجيل القادم من المعلمين والأطباء والعلماء والفنانين، يجبرون على اكتساب مهارات النجاة من الحرب والبقاء على قيد الحياة في ظروف قاسية تتجاوز صغر سنهم”.

 

علا وشاح، صحفية فلسطينية

4 فبراير 2024

ــــــــ ذات صلة ــــــــ